الكثير من الجدل أحاط بتصريحات سمية سواميناثان، كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية، التي أشارت خلالها أنه لم يثبت أن فتح المدارس بعديد من البلدان قد تسبب في حدوث بؤر عدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ما يعكس حقيقة أن الأطفال أقل قدرة على نشر الفيروس التاجي، مقارنة بالفئات العمرية الأخرى.
يأتي ذلك في وقت تستعد فيه دول عديدة لاستئناف فتح مدارسها مجددا، رغم فوضى الإجراءات المتسبب فيها فيروس كورونا عالميا، ووقوفه وراء أزمات غير مسبوقة تتعلق بقطاعات اقتصادية عديدة ومهمة، ومخلفا خسائر بالمليارات على مستوى الاقتصاد العالمي والوظائف.
ومن المقرر أن يعود بعض الأطفال إلى المدارس الابتدائية في بريطانيا، لكن لا تزال هناك أسئلة كبيرة حول دورهم في نشر الوباء، خاصة وأن استمرار تفشي الجائحة عالميا وبأرقام فاقت كل التقديرات السابقة، مع اقتراب حالات الإصابة بالفيروس التاجي من 5 ملايين شخص، وتجاوز حالات الوفاة الـ318 ألف شخص، شكك في كل الفرضيات العلمية السابقة التي حددها علماء الطب والأوبئة منذ بدء تفشي الوباء على نطاق واسع عالميا مطلع العام الجاري.
التأهب لعودة المدارس بإجراءات احترازية
ويبدو أن دول عديدة بدأت بالفعل التجهيز لعودة أطفالها إلى المدارس مع اتخاذ بعض التدابير الاحترازية، منها الدنمرك التي تتعايش مدارسها مع الوضع الطبيعي الجديد، إذ يُمنح التلاميذ من فصول مختلفة مدخلا منفصلا، وبعد ذلك يتبعون نظامًا أحادي الاتجاه من وإلى الفصول الدراسية الخاصة بهم بحيث لا يمرون على الآخرين سواء في الممرات أو على السلالم.
وبمجرد دخول الطلاب إلى الفصل، لابد من الحفاظ على مسافة مترين بين كل طالب وآخر، مع التأكيد على تكرار غسل الأيدي باستمرار، وتنضم بلجيكا إلى الدنمرك والعديد من الدول الأخرى في إعادة فتح المدارس الابتدائية والثانوية، مع نفس الشروط الصارمة بالطبع.
ولكن في دول أخرى، بحسب ما تشير إليه النسخة الإنجليزية من موقع Euro News، كان الجدل محتدما حول عودة التلاميذ إلى الفصل الدراسي، أبرزها في فرنسا وإنجلترا، حيث جرت نقاشات بين النقابات والمستشارين العلميين الحكوميين في بريطانيا يوم الجمعة حول ذلك، ومع هذا كان الاجتماع غير حاسم وقال منتقدو خطة الحكومة إنها أثارت أسئلة أكثر من الإجابات.
فالمعلمون في بريطانيا، كما في أي مكان آخر، يشعرون بالقلق من أن الأطفال سوف يصابون بفيروس كوفيد-19 ويساعدون على انتشاره بين التلاميذ الآخرين ولأنفسهم ولأفراد أسرهم في نهاية المطاف، ويزعمون أيضًا أنه من المستحيل تقريبًا إبقاء الأطفال الأصغر سنًا على مسافة آمنة من بعضهم البعض.
الأطفال لا ينقلون العدوى.. ما صحة تلك الفرضية؟
رغم الكثير من الجدل حول تأكيدات منظمة الصحة العالمية أن الأطفال لا ينقلون عدوى كوفيد-19 بصورة تذكر، فإن المدارس بالفعل تعد في حالة آمنة تماما إذا تعلق الأمر بالأطفال وحدهم، ودون تجمعات ومخالطة الكبار، إذ تشير ورقة بحثية صادرة عن المركز الوطني لأبحاث التحصين والمراقبة في بريطانيا، والتي ركزت على حالات كوفيد-19 بالمدارس في نيو ساوث ويلز، إلى أن «الأطفال ليسوا المحرك الأساسي لكوفيد-19 المتفشي في المدارس أو في المجتمع».
ويقول الفريق المشارك في الورقة البحثية إن نتائج الدراسة هذه تتماشى مع دراسات أخرى أوضحت انتشارًا محدودًا بين الأطفال وبعضهم البعض، أو بين الأطفال والبالغين، ولكن -كما هو الحال مع كل ما يحيط بالفيروس التاجي- هناك كم كبير ومتزايد من البيانات والأدلة المعززة للآراء العلمية المتناولة لهذا الشأن، بينما لا توجد إجابات قاطعة حول أي فرضية حتى الآن.
ولا تسمح جميع البلدان بعودة المدارس، فإيطاليا على سبيل المثال، قالت إن التلاميذ لن يعودوا إلى المدرسة حتى سبتمبر، وحتى في المملكة المتحدة، لا تتبع أيرلندا الشمالية واسكتلندا إنجلترا، بل كلتاهما اختارت الانتظار حتى انتهاء الصيف.
أدلة أخرى تُبرئ الأطفال من نقل عدوى كوفيد-19
دراسة أخرى تعزز فرضية «الصحة العالمية» حول «براءة» الأطفال من نقل عدوى فيروس كورونا المستجد، إذ تشير مراجعة أجرتها مؤسسة خيرية للأبحاث إلى أن متوسط عمر الأشخاص الذين يتم قبولهم في وحدات الرعاية الحرجة في إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية كان 60 اعتبارًا من 24 أبريل الماضي، بحسب ما نشرته النسخة الإنجليزية من موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وفقا لـ«أديليا واريس»، أخصائي الأمراض المعدية لدى الأطفال في جامعة إكستر فإن «الأطفال يمثلون حتى الآن ما بين 1٪ و5٪ من حالات الإصابة بكوفيد-19 المشخصة، وغالبا ما يكون لديهم أعراض مرضية أخف من البالغين والوفيات بنسب نادرة للغاية».
وبناء على نتائج الدراسة هذه هل يمكن للأطفال فعلا أن ينقلوا عدوى الفيروس التاجي؟، يشير تقرير BBC إلى أنه حتى الآن يبدو أن الأطفال معرضون لخطر منخفض للإصابة بالفيروس، لكن إحدى الأجزاء المفقودة من اللغز هي مقدار حملهم للفيروس ونشر المرض للآخرين.
فلا يزال من غير الواضح مدى إمكانية انتقال العدوى من الأشخاص عموما إذا كانت لديهم أعراض خفيفة جدًا أو لا تظهر عليهم أعراض على الإطلاق بمختلف فئاتهم العمرية.
وينتقل الفيروس التاجي بطريقة مماثلة لفيروس الأنفلونزا العادية، من خلال السعال أو لمس الأشياء الملوثة بالقطرات، مثل الأقلام ومقابض الأبواب، ويساعد الابتعاد لمسافة مترين عن الأشخاص الآخرين في جميع الأوقات وغسل اليدين قبل لمس الوجه أو تناول الطعام على إيقاف انتشار الفيروس التاجي، هذه التدابير الوقائية صعبة حتى بالنسبة للبالغين للحفاظ عليها.
يقول البروفيسور ساول فاوست، أستاذ علم المناعة لدى الأطفال والأمراض المعدية، من جامعة ساوثهامبتون ومستشفى جامعة ساوثامبتون (إن إتش إس)، في حديث لـBBC: «نعرف من البيانات الحالية أن الأطفال لديهم أعراض أقل ويبدو أن لديهم ديناميكيات انتقال مختلفة للبالغين»، وأضاف «قد يكون لدى الأطفال إفرازات فيروسية أقصر أو أقل من السعال عند التحدث»، ويقصد بذلك تطاير أقل للرذاذ أثناء التحدث، وهو الأمر المسؤول بشكل كبير عن الانتقال المباشر للعدوى من المصاب إلى شخص سليم.
صحفي متخصص في التقنية والسيارات، عضو نقابة الصحفيين المصرية، المحرر العام السابق لمجلة «الشرق تكنولوجي»، ومحرر التقنية السابق بالنسخة العربية من صحيفة AS الإسبانية، ومؤسس «نوتشر دوت كوم»، شارك في تحرير إصدارات مطبوعة وإلكترونية متخصصة في التقنية بصحف عربية عدة.