أصبح الكثيرون حول العالم أكثر اعتيادا على ارتداء الكمامات القماشية أثناء تواجدهم خارج المنزل، كسلوك وقائي منعا لالتقاط العدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، خاصة مع الشح الشديد في الكمامات الطبية عالميا، والارتفاع المبالغ به في أسعار المتاح منها منذ بدء تفشي الجائحة على نطاق واسع منذ نهاية مطلع فبراير الماضي.
الكمامات القماشية (أقنعة الوجه) المصنوعة بنسبة 100% من القطن، يعتبرها كثيرون حلا مثاليا لمواجهة تفشي الفيروس، كونها تسمح بالاستخدام المتعدد، كما يمكن صناعتها منزليا باستخدام أدوات بسيطة وخامات متاحة، لكن خبراء يحذرون من أن تلك الكمامات ربما تأتي بنتائج عكسية تماما إذا لم يتم تطهيرها بانتظام، وأنها بذلك لن تكون فعالة بنفس القدر التي توفره الكمامة الطبية التقليدية بمختلف أنواعها وموديلاتها، والتي يتم التخلص منها بعد مرة واحدة من الاستخدام.
وتنقل شبكة CTV News الكندية عن الدكتورة ليزا بريسكي، طبيبة غرفة الطوارئ في وينيبيج، كبرى مدن مقاطعة مانيتوبا الكندية، قولها «يجب أن نعامل أقنعة القماش الخاصة بنا تماما كما نعامل أيدينا، ويعني هذا غسلها في كل مرة نأتي فيها من الخارج، وليس مجرد الشطف السريع».
التعقيم وليس التنظيف
بريسكي تشير إلى هناك فرق بين التنظيف والتعقيم، فالتنظيف «هو إزالة الأوساخ المرئية من على السطح» بينما يكون التعقيم «عندما تقتل أي شيء موجود على ذلك السطح» وهذا لجعله صحيا للاستخدام البشري، فبمجرد خلع الكمامة القماشية، يكون الجزء الداخلي منها مُعرضا للتلوث، وتصبح الكمامة في هذا الوقت أداة لخطر نقل الفيروس إلى جانب الجزء الخارجي من الكمامة، الذي كان بمثابة حاجز لمرتديها من الفيروس.
وبشكل عام يمكن أن تكون الكمامات القماشية مفيدة في منع رذاذ فيروس كوفيد-19 والفيروسات التاجية عامة، من الوصول إلى أنف الشخص أو فمه عبر الهواء، حيث يمكن أن تصيب الآخرين ممن لا يرتدون أي كمامة.
ونظرا لأن الأشخاص المصابين بالفيروس ولكن من دون أعراض ظاهرة لا يزال بإمكانهم نشر الوباء، فمن الأفضل ارتداء الكمامات بشكل أساسي، بحسب ما تؤكده البروفيسور داسانتيلا جوليمي كوترا، الخبيرة في علم الأحياء الجزيئي في جامعة يورك بتورنتو.
تقول كوترا في حديث إلى الشبكة الكندية «عامل كل الأشخاص كما لو كانوا حاملين للمرض، خذ حذرك تجاه الجميع» مضيفا أن غسل اليدين بعد التعامل مع قناع مستعمل مهم أيضا، «فإذا كنت لا تغسل قناعك وتتركه في مكان ما، فإن هذه الجسيمات تدخل البيئة التي تعيش فيها، ما يسبب خطر العدوى».
الصابون هو البطل
وبحسب كوترا، فإن أفضل طريقة لتعقيم قناع القماش هي تركه ينقع في الماء والصابون الدافئ لمدة ساعة على الأقل، كما أن الغسيل لمدة 20 ثانية في الماء الساخن (بدرجة حرارة تتجاوز الـ60 مئوية) يمكن أن يكون كافيا.
من جانبها تشير ليزا بريسكي أن السر يكمن في الصابون، قائلة: «الصابون هو البطل الحقيقي في المعركة ضد كوفيد-19»، فالماء وحده لا يكسر هذا الجاذبية التي يمتلكها الفيروس للبشرة، لكن الصابون يقضي على الفيروس، كما أنه جيد في تفتيت الحاجز الدهني له، على حد وصفها.
ويمكن أيضا تعقيم أقنعة القماش في الغسالة بالماء الساخن والمنظفات المعتادة، ويسمح كذلك بإضافة المبيض لضمان نظافة إضافية، ولكنه ليس ضروريا.
وعن تأثير المبيض في التعقيم تقول كوترا «يشبه إلى حد كبير المنظف الفعال لإزالة المواد العضوية من الأقمشة»، فالمنظف نفسه يدخل فعليا في جزيئات الفيروس ويعطله إلى درجة التفكك.
بيد أن ساتيندر كاي برار، الخبيرة في التكنولوجيا الحيوية البيئية وإزالة التلوث بجامعة يورك، ترى أن المبيض يمكن أن يسبب ضررا أكثر من النفع إذا لم يتم غسله بشكل صحيح، إذ تقول: يمكن أن يؤدي المبيض إلى مشاكل في الجلد، خاصة عند الأطفال إذا كانوا يستخدمون تلك الأقنعة، لذا «أفضل أن أقترح استخدام الصابون العادي في التعقيم وكفى».
طرق إضافية للتعقيم
تجفيف كمامات القماش هي خطوة أخرى مهمة في عملية التعقيم، وأفضل أداة لذلك هي مجفف الملابس التقليدي، حيث تعمل الحرارة كعنصر إضافي في قتل الفيروس.
ويمكن للأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على مجفف تعليق أقنعتهم الرطبة في مكان آمن وتعريضه لأشعة الشمس لفترة كافية، كما أن الكي السريع يمكن أن يوفر أيضا زيادة في الحرارة والتعقيم، ولكن يحذر العلماء من الإهمال في اتخاذ تلك الخطوة، إذ ينبغي التأكد من جفاف القناع بالكامل قبل ارتدائه مرة أخرى، حيث يمكن أن ينمو العفن على الأسطح الرطبة.
وفي حين اقترح البعض على وسائل التواصل الاجتماعي استخدام الميكروويف لتعقيم الأقنعة، يقول الخبراء إن هذا غير مستحسن، فقد ينطوي هذا على الخطر، خاصة مع الأقنعة الجراحية والكمامات من طراز N95s التي تحتوي على شرائط معدنية للمساعدة في تشكيلها على وجهك.
تقول ليزا بريسكي إن الأقنعة الموضوعة في الماء المغلي -خاصة بدون صابون- أو وضعها في غسالة الصحون، هي أمور غير فعالة أيضا، موضحة: «غسالة الصحون قد تلحق الأذى بمستخدمها عند محاولة التعقيم، وتُسبب مشاكل كهربائية ربما تكون كارثية»، كما أن وضع قناعك في الميكروويف ليس هناك أي دليل على أنه سيكون مفيدا، وقد يؤدي بالفعل إلى الإضرار بالمواد، أو يشكل خطرا على مستخدمه مع تزايد احتمال حدوث انفجار حال كانت الكمامة تحوي عنصرا معدنيا خفيا.
اصنع كمامتك القماشية
قد تصبح الكمامات القماشية أكثر شيوعا مع الوقت، حيث يُنصح بارتدائها خارج المنزل حال عدم توافر الكمامات الطبية العادية ذات الاستخدام الواحد، ويقترح الخبراء شراء اثنين أو ثلاثة من كمامات القماش التي يمكن تبديلها عند تعقيمها، أو حتى يمكن صنعها ذاتيا.
وحول هذا تقول ليزا بريسكي «يمكن استخدام مواد مناسبة مثل الملابس الداخلية، لكن ينبغي أن تكون جديدة، إذ يمكن إعادة تدويرها لصنع كمامة قماشية»، وينبغي المداومة على عادة غسل وتعقيم الكمامة القماشية بعد كل استخدام، كما يجب أن يتم التعقيم سواء كنا على اتصال مع أشخاص آخرين أم لا أثناء ارتداء تلك الكمامات.
وتعود داسانتيلا كوترا للتحذير من التهاون في تعقيم الكمامة القماشية بحجة قصر مدة استخدامها، إذ تقول «أنت تستخدم قناعا، ثم تغسله بعد ذلك، هذا ما عليك فعله، لا تقل أنا فقط في نزهة على الأقدام لا يجب أن أغسلها، ولكن عندما تجعل شيئا ما عادة، فإن خطر التهاون والإهمال يزداد أيضا»، على حد تعبيرها.
*نقلاً عن تقرير لنفس الكاتب نُشر في النسخة العربية من صحيفة AS الإسبانية
صحفي متخصص في التقنية والسيارات، عضو نقابة الصحفيين المصرية، المحرر العام السابق لمجلة «الشرق تكنولوجي»، ومحرر التقنية السابق بالنسخة العربية من صحيفة AS الإسبانية، ومؤسس «نوتشر دوت كوم»، شارك في تحرير إصدارات مطبوعة وإلكترونية متخصصة في التقنية بصحف عربية عدة.