يتغير الروتين اليومي للمسلمين حول العالم دوما بحلول شهر رمضان، فعلى الرغم من الفوائد الصحية المرتبطة بالصيام، إلا أن كثيرين يشعرون بالإجهاد الناجم عن اضطراب مواعيد النوم، بسبب الحرص على الاستيقاظ قبل الفجر بمدة كافية لتناول السحور ثم انتظار الصلاة، أو البقاء مستيقظين طوال الليل للسبب ذاته.
ويبدو الشهر الكريم هذا العام مختلفا، فها هو سابع أيام رمضان يأتي في إطار الإغلاق العام الذي تفرضه غالبية حكومات العالم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وتؤدى معظم العبادات المرتبطة برمضان داخل المنزل، ما يؤثر بدوره على روتين النوم، فهل هذه الأنماط المتقطعة من النوم تعرضنا أكثر لخطر الإصابة بالعدوى؟
النوم المضطرب وعلاج المشكلة
يجيب عن ذلك الدكتور أمير خان، الطبيب بهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية والمحاضر الجامعي الكبير في المملكة المتحدة، في مقال نشره موقع «ووهان أبديت»، إذ يشير إلى أنه من الصعب خلال شهر رمضان الحفاظ على 8 ساعات من النوم المتواصل التي أوصى بها الخبراء، ولكن هناك طرق لتجاوز تلك المشكلة، مع استغلال ميزة الأوقات التي يوفرها «الإغلاق العام» والتواجد الإجباري بالمنزل بالنسبة للكثيرين.
فإذا كنت تكافح من أجل الحصول على قسط كافٍ من النوم ليلا خلال شهر رمضان، يمكنك تعويض الساعات الضائعة خلال النهار، وقد يشمل ذلك أخذ قيلولة بعد صلاة الظهر، كما يمكنك العودة إلى الفراش لمدة ساعة أخرى بعد السحور، إذ لم يعد هناك ذهاب إلى العمل، وإذا شعرت بالنعاس خلال النهار، خذ قيلولة من 20 إلى 30 دقيقة في غرفة هادئة ومظلمة للحصول على أفضل تأثير إيجابي على ذهنك ومناعتك.
أيضا قد تتأثر جودة النوم بما تأكله، فالإفراط في تناول الطعام غير الصحي عندما يحين وقت الإفطار يمكن أن يؤدي إلى استهلاك أطعمة غنية بالسكر تحتوي على سعرات حرارية، يؤدي بدوره إلى التقليل من جودة نومك ليلا، لذا بقدر ما قد يكون الأمر صعبا، حاول موازنة ذلك مع البدائل الصحية.
النوم الجيد في مواجهة كورونا
وينطوي النوم على فوائد عديدة بكل تأكيد، بما في ذلك المساعدة على درء العدوى، لكن هل سيساعد النوم الأفضل في الدفاع عن أجسامنا ضد الفيروس التاجي؟، يعلق دكتور خان على ذلك بالقول: «هذا مرض جديد، لذا من المستحيل القول على وجه اليقين حتى الآن أن النوم الجيد يقي من العدوى، ومع ذلك، جميع الأدلة العلمية السابقة تؤكد أن الحصول على نوم جيد ليلا يمنح جهاز المناعة لديك القدرة للتعرف على أي عدوى ومكافحتها، وهذا بالتأكيد شيء غير ضار عندما يتعلق الأمر بمكافحة الفيروس التاجي».
وبعيدا عن المناعة ضد «كوفيد-19» يعد النوم الجيد أمرا حيويا لصحة جيدة، ونظرا لفهم فوائد النوم عالي الجودة بشكل أفضل، يعتقد العلماء أن الصحة الجيدة تتطلب أمورا أخرى لا تقل أهمية عن النوم الجيد، مثل التغذية والتمارين الرياضية.
فقلة النوم تعزز هرمونات الجوع وتؤدي بدورها إلى الإفراط في تناول الطعام، إذ تم ربط النوم الجيد بنقص خطر الإصابة بالسمنة، والتركيز الأفضل وصحة الذاكرة، وأيضا تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، وانخفاض خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وتقليل خطر الاكتئاب والقلق، والأهم من ذلك، تعزيز أجهزة المناعة الصحية.
النوم يعزز الاستجابة للقاحات
ويؤكد الدكتور خان إنه لكي يعمل الجهاز المناعي بشكل فعال، يجب أن يكون بإمكانه التعرف على «الغازي الأجنبي» مثل الفيروس أو البكتيريا عندما تدخل الجسم، ثم تحتاج إلى رد فعل أوسع من المناعة لاحتواء الأجسام الدخيلة وتدميرها في النهاية، وتعتبر «الخلايا التائية» جزءًا من جهاز المناعة الذي يتعرف على تلك الأجسام الغريبة ويحفز الاستجابة المناعية الأوسع ضدها، وأظهرت دراسة حديثة أن النوم يعزز كفاءة استجابات الخلايا التائية، وبالتالي تعزيز وظائف المناعة بشكل أفضل.
البروتينات المعروفة باسم السيتوكينات هي أيضا جزء من استجابة الجسم المناعية للعدوى، بالإضافة إلى قدرتها في التعرف على أن بدء انتشار العدوى داخل الجسم، وترسل السيتوكينات بدورها رسائل إلى الخلايا غير المصابة تطلب منهم إعداد أنفسهم للغزو وتعزيز إنتاج الإنزيمات التي تساعد على محاربة العدوى.
وأظهرت الدراسات أن السيتوكينات لا تعمل بشكل أفضل أثناء النوم فحسب، بل يتم إنتاجها بالفعل عندما يكون الشخص نائمًا، هذا يرتبط بالنصائح القديمة المرتبطة بالأصحاء بشكل أساسي، لأن ذلك لا يحافظ على الطاقة فحسب، بل يساعد الجسم أيضا على محاربة العدوى.
وأظهرت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين ينامون أكثر لديهم ردود فعل أفضل للقاحات، أي أن لديهم مناعة أفضل ضد المرض الذي تم إعطاء اللقاح له مقارنة بأولئك المحرومين من النوم، وظهر ذلك بشكل واضح في لقاحات الأنفلونزا ولقاح التهاب الكبد الوبائي B.